سد مأرب.. معجزة هندسية في قلب اليمن
يعتبر سد مأرب من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم القديم، وشاهدًا على عظمة حضارة سبأ. بُني هذا السد الضخم في وادي أذنة بمحافظة مأرب اليمنية، وكان يهدف إلى تجميع مياه الأمطار والسيول لتوزيعها على الأراضي الزراعية، مما ساهم في ازدهار مملكة سبأ وتحويلها إلى قوة اقتصادية وسياسية في المنطقة. وقد كان السد القديم مثالًا على الإبداع الهندسي، حيث استخدمت فيه تقنيات متطورة في البناء وإدارة المياه.
شهد سد مأرب انهيارًا كارثيًا في القرن السادس الميلادي، مما أدى إلى هجرة القبائل اليمنية إلى مناطق مختلفة في شبه الجزيرة العربية. وفي العصر الحديث، تم إعادة بناء السد، وافتتح في عام 1986، ويُعد السد الجديد رمزًا للأمل والتنمية في اليمن، حيث يساهم في توفير المياه للزراعة وتوليد الطاقة الكهربائية.
من هو الذي بنى سد مأرب
أول من بنى سد مأرب هم السبئيون في عهد الملك يثع أمر بين بن سمه علي، أحد ملوك مملكة سبأ القديمة. وقد قام الملوك السبئيون المتعاقبون بتطويره وصيانته، وكان من أبرزهم الملك كرب إل وتر، الذي عمل على توسيع السد وتعزيز بنيته ليصبح من أعظم المشاريع الهندسية في التاريخ القديم.
يعود بناء سد مأرب إلى السبئيين، وهم من أبرز الحضارات القديمة التي ازدهرت في جنوب الجزيرة العربية. وقد تم بناء السد على مراحل، حيث ساهم العديد من الملوك السبئيين في تطويره وتوسعته عبر القرون.
انهيار سد مارِب وهجرة القبائل
انهار سد مارِب القديم - أحد أعظم الإنجازات الهندسية في شبه الجزيرة العربية - بشكل نهائي في القرن السادس الميلادي (حوالي 570 م) بسبب فيضان كارثي عُرف في المصادر العربية باسم "سيل العرم"، وهو ما ذكره القرآن الكريم في سورة سبأ كعقابٍ على كفر النعمة.آثار الانهيار كارثة اقتصادية وبيئية دمر نظام الري الذي حوَّل وادي مَأْرِب إلى أرض خصبة، فتحوَّلت المنطقة إلى صحراء جرداء، وفقدت مملكة سبأ مصدر رزقها الرئيسي. هجرة جماعية اضطرت القبائل السبئية (ومنها قبائل الأزد وغسان وخزاعة) إلى النزوح من اليمن نحو شمال الجزيرة العربية وشرقها، مثل:
- الحجاز (مكة والمدينة).
- نجد (وسط الجزيرة).
- بلاد الشام والعراق.
نتائج الهجرة:
- ساهمت هذه الهجرة في إعادة تشكيل الخريطة القبلية والسياسية للجزيرة العربية قبل الإسلام، حيث انخرطت القبائل المهاجرة في صراعات وتحالفات جديدة.
- أسست بعض القبائل المُهاجرة ممالك مهمة، مثل: مملكة الغساسنة في الشام، ومملكة المناذرة في العراق.
- يُعتقد أن هذه الهجرة مهَّدت لظهور مراكز حضارية جديدة، كان من أبرزها مكة، التي أصبحت لاحقًا مركزًا دينيًا وتجاريًا.
ذُكرت قصة السد في القرآن (سورة سبأ: الآيات 15-17) كرمزٍ لعاقبة الجحود، حيث كانت أرض سبأ "جنتين عن يمين وشمال"، فلما كفروا بنعمة الله أرسل عليهم السيل المدمر. كما أن بعض القبائل المهاجرة من مَأْرِب شاركت في أحداث مهمة في العصر الإسلامي، مثل قبيلة الأوس والخزرج (الأنصار) في المدينة المنورة.
ولكن، تعرض سد مأرب للانهيار عدة مرات على مر التاريخ، وكان آخر انهيار له في عام 150 قبل الميلاد. يُعتقد أن سبب انهيار السد كان زلزالًا قويًا، أو بسبب هجوم من قبل أعداء مملكة سبأ.
وقد ذكر سد مأرب في القرآن الكريم، في سورة سبأ، حيث يقول الله تعالى:﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ى[ سورة سبأ: 16] هكذا مثل انهيار السد نقطة تحول تاريخية، غيّرت مصير جنوب الجزيرة العربية، وأسهمت في تشكيل ملامح العصر الجاهلي الذي سبق ظهور الإسلام.
طول سد مأرب
السد القديم (التاريخي) بلغ طوله حوالي 580 مترا، مع ارتفاع يقارب 15 مترا، ليكون أحد أعظم مشاريع الحضارة السبئية في إدارة المياه.
السد الجديد (الحديث) أقيم عام 1986 بطول أكبر يصل إلى 763 مترا، ولكن ارتفاعه أقل (نحو 40 مترا) ليتناسب مع تقنيات العصر واحتياجات الزراعة الحالية.
السد القديم لم يكن مجرد بناء، بل كان رمزا لعظمة الهندسة العربية قبل أكثر من 2500 عام، وشاهدا على ذكاء مملكة سبأ في تحدي التحديات الطبيعية! 🌟